عن معاوية المحبوس
أعرف جيداً ماذا كان يود معاوية قوله أعرف ذلك الشعور الذي دفعه لأن يقول ما قاله في تدوينته التي لم تحمل جديد سوى أنها خرجت من نطاق الهمس إلى نطاق العلن ... قال بدر العبري على صفحته على الفيس بوك بما معناه: مشكلة معاوية أنه فكّر بصوت عالي.
معرفتي لتلك المشاعر التي دفعت معاوية لا علاقة لها بمعرفتي الشخصية به بل لأني مررت بها وشعرت بكل تفاصيلها لتنتهي بخيبة الأمل الكبيرة من هذا الوطن وبمن تعقد الأمل فيهم ومحاولة تعليق الفشل المبرر فلن تستطيع استبعادنا كنتيجة من نتائج مآسي هذا النظام البور وشخص حاول أن لا يعيش كرقم في قطيع يسعى النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادية والثقافي إلى أن يكون هكذا فيه. ربما بعضكم ممن شرفني بمتابعته لي قريباً لا يعلم بأني كنت أعمل مع جهاز الأمن الداخلي وأني قمت بما قام به معاوية ونشرت بعض تفاصيل علاقتي بالأمن الداخلي والقسم الخاص قبل أكثر من 5 سنوات في مواقع عدة كمنتدى فرق والسبلة القابوسية والحارة العمانية كانت محاولة للتحرر لا أنكر أني أضحك كلما أتذكر تلك الأيام وخوفي الشديد عندما أعود ليلاً إلى المنزل ففي كل يوم أراهن باعتقالي. ربما ما قلته لم يحدث أثراً يستحق العقوبة وكان يكفي أن يقوم القسم الخاص باستدعائي في جلسة دردشة ودية ... على العموم القصة طويلة ربما سأرويها ذات يوم في مكان بعيد عن عالم الإنترنت.
ما لا يعرفه الكثيرون أني أعلم بعلاقات معاوية الأمنية منذ أن عرفته وأعلم جيداً سبب تلك العلاقة ومنطلقها فمعاوية مؤمناً إيماناً شديداً بنظرية الإصلاح من الداخل وكان كثيراً ما يحدثني عن هذا الأمر خصوصاً عندما يقول لي بأنه ذاهب لهم، نعم كان يخبرني عندما يذهب لهم وكان يحدثني بما دار بينهم ودائما ما كنت أدخل معه في مشاحنات وجدال طويل حول تلك العلاقة ومع هذا لم أشعر يوماً بضرورة قطع علاقتي به بسبب تعاونه الأمني وأنا ذلك الشخص الكاره كره أسود حالك للأمن ورجاله. قد أكون هنا متستر على حقيقة كان يجب على الجميع معرفتها إلا أني كنت أحترم وجهة نظره الخارجة عن نبل معاوية لم يكن يرضى بالضرر لأحد وكنت أقول ربما يكون على حق أو ربما سيأتي الوقت الذي يعرف حقيقة هذا البلاد والنظام "السياجي" الأمني الذي يحكمها لا السياسي والبديهيات وما يجب أن يكون أو تكون فيها هذه البلاد المستقرة لا على نظرة رضا شعبية بل على سكون سكان أهلها في حقيقة الأمر فأنت شاهدتم ماذا حدث، فبتدوينة لم تأخذ سويعات على الشبكة أحدثت مالا يحدثه عمل جمعية أو جماعة من الناس على الرغم أن ما قاله بديهيات تتداول بخوف وضجيج همس وأشياء يعلمها الجميع وأعتقد أن قيمة اختلافنا مع أسلوبه تتضاءل أمام قيمة الحقيقة والأفكار المضمنة في تدوينته والتي تخافون أن تقولوها وتريدون من أحدهم أن يقولها بالوكالة عنكم.
قبل دقائق من ذهاب معاوية إلى محبسه تحدث معي هاتفياً كنت أحاول أن أشرح له بعض النقاط القانونية المساعدة له إلا أنه وبكل برود غاضبه قال لي: عمار أيش هالكلام أنا من كتب هذا الكلام وأنا أتحمل مسؤوليته خلاص أنا حر إلى متى بنضحك على نفسنا؟
بصراحة لم أعرف كيف أرد عليه كنت أشعر به وأشعر بحزن شديد أشعر بأني مسئول أيضاً عما أصابه وسيصيبه من جراء ما سيلقاه. على أية حال لا أرغب الحديث بعاطفة عما أصابه ويصيب العمانيين في هذه الأيام خصوصاً خيبة الأمل الكبيرة من قابوس والمتفشية والمنتشر كمرض معدي قد يكون حميد ولا أعلم إلى أين ستوصلنا وكم من مآسي سنرى بسببها.
الآن الكثير من الأعداء الذين كانوا في يوم من الأيام يعتبرون أنفسهم في خندق واحد مع معاوية "الخندق القابوسي" الآن يقفون ضده ويتحدثون عن مرضه النفسي وأنه مجنون ويروجون لهذا الأمر وكأن المواطن من شدة غباءه سيعتبر ما قاله معاوية غير حقيقي وسيستبعد الكثير من الأفكار والنقاط التي أشار لها معاوية، هذا يسمى الغباء الترقيعي الذي يجعل مما قاله معاوية مطلوب وبشدة وبالطبع لا يحتاج أن أشير إلى هؤلاء الزبالات كموسى الفرعي وباقي أرجوزات العهر القابوسي فمهما وصلت بهم من الحقارة كالتي شاهدناها جيداً في أحداث فبراير الماضي فهذا لن يؤثر في معاوية لا شخصياً ولا فيمن حوله فمعاوية كان يتوقع الأسوأ دائماً وهذا ما قاله لي ونصحني به عندما بدأنا التدوين: توقع الأسوأ دائماً.
معاوية لم يتخلى عن مسؤوليته الجنائية حيال ما قاله وطبعاً القسم الخاص اعتقله من أجل ما قاله حول السلطان قابوس لا من أجل شيء آخر وهذا الأمر يؤكد غباء هذه الجهات الظريفة اللطيفة العفيفة الشريفة فهم فتحوا باب مسألة الاعتقال في قضية تتعلق بالنشر والتعبير وهذا مالا يقبله روح القانون والاجتهادات الفقية القانونية الحديثة والقانون الدولي مما سيلفت النظر لكل تلك القوانين التي كبل بها قابوس مجتمعه. هل أقول لكم أن قضية معاوية ستضغط على السلطان شخصياً إذا ما أصرت الجهات التحفنجية العمانية تقديمه للمحاكمة ... هل تعلمون هذا؟ هذا ما سيحدث بالضبط فمن كثرة الإيميلات والاتصالات التي تأتيني من منظمات وناشطين لهم حضورهم في خارطة النشاط الحقوقي العالمي من كثرتها أنا موقن أنهم سيصلون إلى حدود الضغط على السلطان مثلما ضغطت عليه منظمات حقوقية تابعة للاتحاد الأوربي في قضية الصحفي على الزويدي خصوصاً وأن معاوية في تدوينته ضرب على أوتار تشجعهم على الوقوف معه. هل تريدون هذا؟ حسناً ... هذا ما سيحدث ولن يسجن معاوية ولن يعاقب على ما قاله وإذا عوقب فلن يتجاوز الأمر الغرامة وبالعكس النظام صنع منه عدو جديد.
إذا كنتم تختلفون مع معاوية فحري عليكم الاختلاف مع من يمارس الإرهاب إزاء قضايا النشر والتعبير عن الرأي فإذا لم تكن كاتباً فبالتأكيد لديك صفحة فيس بوك أو تغرد على تويتر لا نريد من نظامنا أن يمارس علينا تصرفاته الإرهابية لنصمت وليتحول بعضاً مما تضرروا من تلك الممارسات إلى أعداء وتطلبون منهم لاحقاً أن يتحدثوا عنكم بالوكالة.
ينتابني شعور خذلاني كبير حول هذه القضية وكيف سيخرج معاوية من هذه المحنة أشعر أني أتصرف بطريقة لن تعجبه فهو طلب مني القيام بأشياء محددة ما إذ تجاوز حبسه الـ24 ساعة وأعتقد أنه سيتفهم موقفي فهذا معاوية يستطيع أن يفهم الجميع ولا يستطيع شخص واحد أن يفهمه أو يحاول أن يكتشفه كان دائماً يردد مثل إنجليزي عندما أغضب لتسامحه إلى حد السذاجة كان يقول: عندما تعرف كل شيء تعذر كل الناس.
فعلاً مشلول أمام هذه القضية هل خذلتك يا صديقي؟ الدنيا كلها خذلانيات وخيبات أمل كثيرة وكبيرة خصوصاً عندما تكتشف أنك فار تجارب في مختبر كبير يدعى عُمان وتأتيك من هنا صدمة ومن هناك كدمة ومن كل الاتجاهات فإما أن تكون رقم في قطيع أو أن "تتوقع الأسوأ دائماً" لتقول: الآن أنا حر.
ياقارئي
لا ترج مني الهمس
لا ترج الطرب
هذا عذابي ...
ضربة في الرمل طائشة
وأخرى في السحب
حسبي بأني غاضب
والنار أولها الغضب
(محمود درويش)