إن صح ما سمعت
ما بعد الاعتصامات..
قد تكون الحكومة بصدد التحضير لشيء كبير خلال الفترة القادمة وقد تكون أفلست من كل الحلول. وبالرغم من القبضة الأمنية -ذات الخصوصية العمانية الغير دموية- التي تحكمها على البلاد والعباد إلا أن بوادر الارتباك وعدم وجود حلول حقيقية لما تمخضت عنه الاعتصامات، هي السمة السائدة على أدائها. وهذ الفشل لا ألوم الحكومة عليه لأنها تفاجأت به كونها لا تملك استراتيجية واضحة لإدارة الأزمات. لا ألومها ساعة وقوع الحدث ولكن بما أنها دولة لديها خبرة 40 سنة في الحكم وخرجت من حرب في بداية نشوئها فإنني ألومها لعدم استقرائها للأحداث ولعدم تقييمها الصريح الخالي من المجاملة لأدائها.
قد يكون سبب عدم التعامل الاحترافي مع الأحداث ناتج عن وجود كل القرارات (صغيرها وكبيرها) في يد شخص واحد، والأمر الثاني تجاوز العقليات المسيرة للبلاد لسن العمل والإنتاج وفهم الواقع الجديد. وقد أضيف إلى ذلك العقلية الأمنية التي تسير الأمر في بلادنا الغالية.
إن تمركز كل القرارات في يد شخص أو شخصين غير قابل للنقد لا يمكن أن يقود إلى قرارات صائبة دائما بل إن الانفعال والمزاجية والحالة النفسية قد تلعب دور في التأثير على شكل القرارات التي قد تأتي آنية مخدرة وتخلو من البعد الاستراتيجي الأمر الذي يؤدي إلى تأجيل حل المشكلات وتضخيمها لتنفجر في وقت لاحق وهذا ما يتنبأ به الجميع. كما أن العقليات التي تبرمجت على سلوك وتفكير معين لفترات طويلة لا يمكن أن ننتظر منها حل ناجع للمشكلات المفاجئة مهما كان إخلاصها.
نعلم أن الحكومة أنزلت الجيش لإنهاء الاعتصامات واعتقلت المعتصمين ولم تدلي بأي تصريح لشرح وتبرير ما حصل بل لزمت الصمت. كما أنها لم تقدم ما يدل على أنها أنهت الاعتصامات من أجل تنفيذ المطالب على رواق. ذلك الصمت لم يطمئن المعتصمين وكذلك لم يُبدِ لهم-كمواطنين ينشدون الأفضل للوطن- ذلك التصرف أي احترام بل تم التعامل معهم كخارجين عن القانون. وبما أن الوطن هو الهدف الأول والأخير من وراء الاعتصامات ظل الغليان الداخلي موجود لدى المواطنين مما حدا بالمعتصمين إلى عقد اجتماعات علنية لأكثر من مرة لمناقشة الخطوات القادمة.
اجتمع المعتصمون في ظفار في بداية الشهر الجاري لمناقشة الوضع وربما تشكيل لجنة لمتابعة ما يسمى بالعريضة المرفوعة لجلالة السلطان من المعتصمين في ظفار. كانت نتيجة هذا الاجتماع أن رأى بعض المعتصمين أن الخطوة التالية يجب أن يُفتح فيها المجال للنخبة المثقفة والمتخصصة لمتابعة أمر تنفيذ بنود العريضة مع الاحتفاظ بحق العودة للساحات فيما إذا أصرت الدولة على صمتها وتجاهلها للإصلاح.
عندما بدأ هذا الحراك العلني بدأت الحكومة وبشكل غير علني بالتحرك تجاه المعتصمين. فقد التقى رئيس مكتب الفريق سلطان النعماني بأحد المعتصمين المؤثرين ودار بينهم نقاش حول الاعتصامات والعريضة. وقد طرح الأخ المعتصم رؤية غالبية المعتصمين التي ترى ضرورة إشراك النخب المثقفة والمتخصصة في صياغة مقترحات وآليات لتنفيذ بنود العريضة. وقد أكد رئيس المكتب أنه سينقل الأمر إلى جهات عليا(السلطان ربما!) وسيكون على اتصال مع المعتصم. بعد فترة ليست ببعيدة تلقى الأخ المعتصم اتصالاً من رئيس مكتب الفريق سلطان النعماني يؤكد فيه ان هناك ضوء أخضر للنخب المثقفة والمتخصصة في صياغة آليات لتنفيذ البنود المذكورة وربما إضافة طلبات خاصة بالمحافظة.
هنا اجتمع المعتصمون مرة أخرى وتم طرح الموضوع أمام الجميع على أن يحافظ الجميع على الهدوء وعدم الرجوع إلى الشارع سواء باعتصام أو بمظاهرات. وافق المعتصمون على المقترح ولكن أبدى بعضهم الرغبة في إقامة مظاهرة كل يوم جمعة للتذكير بالعريضة والتنديد بالفساد. كان المعتصم ناصر سكرون هو من أصر على المظاهرات كل يوم جمعة لكن الغالبية لم تكن مؤيده لهذا التوجه. في اليوم التالي تم اعتقال ناصر سكرون وهو إلى الآن رهن الاعتقال على ما أعتقد. طبعا الخطوة التي قامت بها الجهات الأمنية ليست حكيمة لأن الاعتقال يضع المعتصمين أمام محك صعب ولا يشجعهم على المضي قدماً في التهدئة. هناك غالبية متعقلة ولكن هناك أيضاً متحمسين لا يمكن إقناعهم بسهولة خاصة وأن الاعتقال قد يكون سبباً كافياً لإثارتهم وعدم ثقتهم في الحكومة ونواياها.
هذه المعلومات استقيتها من شخص حضر الاجتماع وقد تكون غير دقيقة من ناحية التفاصيل لكنها في المجمل تبدو صحيحة. الأمر المريب هنا هو لماذا لا يطلب المكتب السلطاني المعتصمين بشكل علني إذا كانت نيته الحل النهائي لصداع الاعتصامات؟!!
هناك طرق كثيرة لحل الأزمة التي حصلت والتي لاتزال "جمر من تحت الرماد". إذا تكلمت الحكومة بصوت علني وأعلنت أن لديها مشكلة بالفعل فإن الشعب سيعذرها. وإذا الحكومة -التي تملك المال- جادة في الحل فبإمكانها عقد اجتماعات مصغرة تمهيدية في كل محافظة ومنطقة لصياغة مقترحات وآليات للخروج من الأزمة الحالية بحلول تهدئ الشعب وتحل المشكلة وفق إطار زمني معلوم. وبعد ذلك يتم إقامة اجتماعات علنية لنخب النخب لرفع توصيات تتم مناقشتها بشكل تفصيلي مع المكتب السلطاني الذي يحكم الجهاز الاداري للدولة وذلك للوصول إلى حل حقيقي يكون المواطن طرف فيه أي أنه لن يملك فيما بعد الحجة للرجوع إلى الاحتجاج أو التظاهر.
إذا صح ما تم فإن الحكومة بدأت "تلعبها صح"، فمعلوم لدى الجميع أن أسهل شيء هو الانتقاد وإظهار العيوب بينما العمل هو الأصعب. وقد أظهر المعتصمون والمتضامنون معهم(محفيف مثلاً :)) معظم عيوب الحكومة دون وضع حلول تُذكر. قد تكون الحكومة جادة في الإصلاح والتطوير ولكن إمكانياتها الإدارية والفنية غير قادرة على التنفيذ بالشكل المثالي أو حتى القريب منه, لماذا؟ لأنها فاقدة للمعرفة وفاقد الشيء لا يعطيه.
إذا صح القول أن الحكومة لديها النية لإشراك المواطن في الحل فإن هذه تعتبر أذكى خطوة قامت بها الحكومة منذ بداية الاعتصامات وإلى الآن. فإشراك المواطن في اقتراح الحلول هو الحل الأذكى لأنه سيضع المواطن على المحك على اعتبار أن الحكومة جادة. ستقل خسائر الإصلاح حسب رؤيتي لأن المواطن في الأخير قنوع ونيته صادقة لمحاربة الفساد حتى وإن كان غارقاً فيه حسب مستواه البسيط...
أخيراً.. إذا كانت هذه فقط مناورة لكسب الوقت وضرب المواطنين بعضهم ببعض فإن النتائج ستكون عكسية وإن انشغل الناس في البداية بتداعيات هذه الخطوة..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق