تأملات عامة في الأوضاع الراهنة في عمان
(1) من هي الحكومة ومن هو الحاكم؟ الحكومة في عمان، من حيث المُسمَّى، تشمل السلطان والوزراء وجميع العاملين ضمن القطاع العام بما فيها الأجهزة الأمنية والعسكرية. الحكومة الحقيقية هي السلطان ومن حوله من الوزراء والمسؤولين الموثوق فيهم (كانوا وزير الديوان ووزير المكتب السلطاني، ورؤساء الأجهزة الأمنية ووزير الاقتصاد والمالية وربما الخارجية وبعض المستشارين). هل يدخل نائب رئيس مجلس الوزراء والأسرة الحاكمة في الحكومة الفاعلة؟ بالنسبة لرئيس مجلس الوزراء فالاحتمال وارد، لكن الآخرين فإنهم مبعدون أو أنهم فاعلون في الخفاء. لو كانت تنحية المسؤولين تَمَّتْ لأن الشعب رفضهم، فلا أظن أن السلطان سيتخلى بين يوم وليلة عنهم، وهذا معناه أنهم ما زالوا فاعلين بطريقة أو بأخرى. لا ننسى أيضا أن من تبقى من مجلس الوزراء كانوا قد جاءوا بتوصية وتذكية من المُقاليِن، وهذا معناه أنهم ينهجون نهجهم أو أنهم موالون لهم. إن كان الوزراء المقالون فاسدين، وكانت التهم المُلقاة عليهم من قبل المواطنين صحيحة، فإنه لا يعقل أن يتم فسادهم من غير تواطؤ من الآخرين الذين حولهم، وهذا يجعلنا نتساءل أكان الفساد المباشر لهم فسادا خاصا بهم، أم أن له امتدادات سرطانية باتجاه مستخدميهم؟ السلطان يقبض في يديه كل الوزارات السيادية وهو رئيس مجلس الوزراء وهو المحرك الأول للأجهزة الأمنية والمكتب السلطاني، إلى الدرجة التي ربما يكون مناسبا إطلاق لقب وزير مسؤول حتى على الوزراء الآخرين الذين هم وزراء الآن. لا يوجد صف ثانٍ من الاقتصاديين والسياسيين في البلد ، ربما يكونون موجودون ككفاءة، لكنهم غير مُهيَّئين ليكونوا خلفا جيدا لمن هم في مناصب الوزارة الآن أو في مناصب المسؤولية. الأمر ذاته ينطبق على السلطان، فهل يوجد خلف جيد له؟ طبعا يجب الاستدراك هنا أن الكفاءات لا تنعدم في أي أرض، لكن التدرج في المسؤوليات ينبغي أن يكون ديدن من يُلقى عليه بالمسؤولية. فبالتالي، وما دام المحتجون في جميع عمان لم ينادوا بإسقاط النظام ولا بتغييره فإنهم ما زالوا يراهنون على مناسبة النظام القائم، والذي يعني انه من المناسب تعيين ولي عهد. عدم تعيين ولي عهد أكثر مناسبة كعمل ديموقراطي واعد، لكنه في نفس الوقت، بما انه لزامٌ أن يكون هناك سلطان بعد السلطان، فإن أمر تأجيل تحديد ولي للعهد غير مناسب للبلد؛ فإن تأجيله يجعلنا في زعزعة وانعدام آمان (تصوروا معي لو كان وزير مكتب القصر فاسدا، وكانت بيديه الأمور جميعها وهو من سيقوم بمسك الحكم في الثلاثة أيام الأولى فأين كنا سنكون بعد وفاة السلطان؟). وطبعا بما أن السلطان قابوس يحظى بتأييد جماهيري حاليا فإن تعيين سلطان من بعده يمكن أن يتم الآن تحت سمعه وبصره، وليكن بتشاور من الأسرة الحاكمة، فما الذي سيختلف إن تم تعيينه الآن أم بعد وفاة السلطان الحالي ( بعد عمر طويل)؟ ، أما إن كانت هناك نية مبطنة من قبل السلطان الحالي والأسرة الحاكمة أن تنعم البلاد بديموقراطية حقيقية بأن ينتخب الشعب حاكمه بنفسه، وهو أمر غير محتمل وغير وارد في هذه المرحلة من التاريخ العماني، فإن الخطوات اللازمة يجب أن تقام الآن. قد يبدو أن تركيز الصلاحيات الآن في يدي السلطان قابوس أمرا محمودا، وخصوصا إن كان المقالون الأكبر تأثيرا فاسدين، لأنه يجعل الصلاحيات في يدي رجل يحترمه الجميع ويعرفون صدق نواياه في إصلاح البلد وتطويره، أي أنه يرجع الصلاحيات التي كانت متوزعة نوعا معا على بعض الوزراء المقالين الأكثر تأثيرا ، يرجعها إلى يدي رجل صالح، بيد أن هذا التركيز للصلاحيات مضر للبلد على المدى البعيد (بعد سنوات خمس مثلا)، وهو يجعلنا أمام سيناريوهات غير محسوبة في المستقبل ، حين مجيء السلطان الجديد.
منقول للكاتب
حسين العبري
(1) من هي الحكومة ومن هو الحاكم؟ الحكومة في عمان، من حيث المُسمَّى، تشمل السلطان والوزراء وجميع العاملين ضمن القطاع العام بما فيها الأجهزة الأمنية والعسكرية. الحكومة الحقيقية هي السلطان ومن حوله من الوزراء والمسؤولين الموثوق فيهم (كانوا وزير الديوان ووزير المكتب السلطاني، ورؤساء الأجهزة الأمنية ووزير الاقتصاد والمالية وربما الخارجية وبعض المستشارين). هل يدخل نائب رئيس مجلس الوزراء والأسرة الحاكمة في الحكومة الفاعلة؟ بالنسبة لرئيس مجلس الوزراء فالاحتمال وارد، لكن الآخرين فإنهم مبعدون أو أنهم فاعلون في الخفاء. لو كانت تنحية المسؤولين تَمَّتْ لأن الشعب رفضهم، فلا أظن أن السلطان سيتخلى بين يوم وليلة عنهم، وهذا معناه أنهم ما زالوا فاعلين بطريقة أو بأخرى. لا ننسى أيضا أن من تبقى من مجلس الوزراء كانوا قد جاءوا بتوصية وتذكية من المُقاليِن، وهذا معناه أنهم ينهجون نهجهم أو أنهم موالون لهم. إن كان الوزراء المقالون فاسدين، وكانت التهم المُلقاة عليهم من قبل المواطنين صحيحة، فإنه لا يعقل أن يتم فسادهم من غير تواطؤ من الآخرين الذين حولهم، وهذا يجعلنا نتساءل أكان الفساد المباشر لهم فسادا خاصا بهم، أم أن له امتدادات سرطانية باتجاه مستخدميهم؟ السلطان يقبض في يديه كل الوزارات السيادية وهو رئيس مجلس الوزراء وهو المحرك الأول للأجهزة الأمنية والمكتب السلطاني، إلى الدرجة التي ربما يكون مناسبا إطلاق لقب وزير مسؤول حتى على الوزراء الآخرين الذين هم وزراء الآن. لا يوجد صف ثانٍ من الاقتصاديين والسياسيين في البلد ، ربما يكونون موجودون ككفاءة، لكنهم غير مُهيَّئين ليكونوا خلفا جيدا لمن هم في مناصب الوزارة الآن أو في مناصب المسؤولية. الأمر ذاته ينطبق على السلطان، فهل يوجد خلف جيد له؟ طبعا يجب الاستدراك هنا أن الكفاءات لا تنعدم في أي أرض، لكن التدرج في المسؤوليات ينبغي أن يكون ديدن من يُلقى عليه بالمسؤولية. فبالتالي، وما دام المحتجون في جميع عمان لم ينادوا بإسقاط النظام ولا بتغييره فإنهم ما زالوا يراهنون على مناسبة النظام القائم، والذي يعني انه من المناسب تعيين ولي عهد. عدم تعيين ولي عهد أكثر مناسبة كعمل ديموقراطي واعد، لكنه في نفس الوقت، بما انه لزامٌ أن يكون هناك سلطان بعد السلطان، فإن أمر تأجيل تحديد ولي للعهد غير مناسب للبلد؛ فإن تأجيله يجعلنا في زعزعة وانعدام آمان (تصوروا معي لو كان وزير مكتب القصر فاسدا، وكانت بيديه الأمور جميعها وهو من سيقوم بمسك الحكم في الثلاثة أيام الأولى فأين كنا سنكون بعد وفاة السلطان؟). وطبعا بما أن السلطان قابوس يحظى بتأييد جماهيري حاليا فإن تعيين سلطان من بعده يمكن أن يتم الآن تحت سمعه وبصره، وليكن بتشاور من الأسرة الحاكمة، فما الذي سيختلف إن تم تعيينه الآن أم بعد وفاة السلطان الحالي ( بعد عمر طويل)؟ ، أما إن كانت هناك نية مبطنة من قبل السلطان الحالي والأسرة الحاكمة أن تنعم البلاد بديموقراطية حقيقية بأن ينتخب الشعب حاكمه بنفسه، وهو أمر غير محتمل وغير وارد في هذه المرحلة من التاريخ العماني، فإن الخطوات اللازمة يجب أن تقام الآن. قد يبدو أن تركيز الصلاحيات الآن في يدي السلطان قابوس أمرا محمودا، وخصوصا إن كان المقالون الأكبر تأثيرا فاسدين، لأنه يجعل الصلاحيات في يدي رجل يحترمه الجميع ويعرفون صدق نواياه في إصلاح البلد وتطويره، أي أنه يرجع الصلاحيات التي كانت متوزعة نوعا معا على بعض الوزراء المقالين الأكثر تأثيرا ، يرجعها إلى يدي رجل صالح، بيد أن هذا التركيز للصلاحيات مضر للبلد على المدى البعيد (بعد سنوات خمس مثلا)، وهو يجعلنا أمام سيناريوهات غير محسوبة في المستقبل ، حين مجيء السلطان الجديد.
منقول للكاتب
حسين العبري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق