قضية اعتقال د. عبدالغفار محمد الشيزاوي
الجزء الأول : بداية تدهور الوضع في صحار :
في يوم الأحد 27 فبراير 2011م الساعة الرابعة عصرا عندما وصلت إلى بيتي الواقع في منطقة الهمبار في ولاية صحار قريبا من السوق وبعض الدوائر الحكومية والمؤسسات العامة والخاصة ، وقد كنت قادما من كلية العلوم التطبيقية بصحار التي أعمل فيها محاضرا ، رأيت الناس وقد غطوا الشوارع وبعض الدخان يتصاعد من دائرة القوى العاملة القريبة من بيتي ، وتناقل الناس أخبارا عن سقوط قتلى وجرحى ، فصعدت سطح بناية بيتي وإذا فعلا بأعداد غفيرة من الناس يملؤون الشوارع ، وهناك دخان يتصاعد في بعض الأماكن من منطقة الهمبار ، في هذه الأثناء أتاني اتصال من زميل لي هو د. علي بن عيسى المعمري ليقول لي ماذا يحصل في صحار ؟ فقلت له أنا الآن أرى دخانا يتصاعد من بعض الأماكن في منطقة الهمبار بولاية صحار ، فقال لي أن الوضع غير طبيعي ، أريد أن أحضر عندك لتدارس الوضع الحاصل ، فقلت له أهلا وسهلا ، وفكرت أن أتصل ببعض المعارف وبعض الوجاهات الشبابية في صحار ، وفعلا اتصلت بالزملاء : خالد بن عبدالمحسن الشيزاوي ، والشيخ عبدالله بن سيف الشبلي ، وعلي الحامدي أحد الوجهاء الشباب في منطقة غيل الشبول الذى بدوره أحضر معه أخاه ناصرا ، وعندما حضر د. علي عيسى أحضر معه الشيخ سالم بن علي الجابري أحد شيوخ منطقة فلج القبائل ، وكان ذلك قريبا من صلاة المغرب ، وبعد صلاة المغرب في الجامع القريب من بيتي جلسنا في البيت لتدارس الوضع الحاصل وكان عددنا سبعة أشخاص ، وقد ذكر في اللقاء بعض الأخبار والأسباب التي أدت إلى هذا الوضع المتدهور ، وأن شرارة الوضع بدأت من يوم الأربعاء 24 فبراير 2011م عندما كان بعض الشباب العاطلين عن العمل يراجعون دائرة القوى العاملة للبحث عن عمل ، وكانوا يترددون بين مكاتب الولاة وهذه الدائرة ، ومن كثرة مراجعتهم تعرفوا على بعضهم البعض ، وقد طلبوا من الموظف بدائرة القوى العاملة أن يبحث لهم عن عمل لأنهم سئموا من التردد على هذه الدائرة ، وأنهم سيراجعون الدائرة يوم السبت القادم ، ففي يوم السبت 26 فبراير 2011م عند حضورهم للدائرة وإذا بهم يفاجأون بحضور الشرطة في دائرة القوى العاملة لتثور ثائرتهم فيتصادمون معهم ، ليدخل مع الشباب مجاميع المراجعين بهذه الدائرة الذين كانوا متذمرين أصلا من طبيعة العمل بها ، لأنهم يأتون إليها من وقت الفجر أي من الساعة الخامسة صباحا ليحصلوا على أرقام المراجعة لأنها تنتهي بحلول الساعة التاسعة إلى العاشرة ضحى ، وهكذا لينتهي تقديم الطلبات والمراجعات عند الساعة الثانية عشر ظهرا . هذه الحالة المتذمرة من طبيعة الإجراءات ، والتذمر الكامن في نفوس المراجعين أدخلهم في هذا التصادم مع قوى الشرطة لينتقل التصادم إلى خارج الدائرة فيتحول إلى مظاهرة في الشارع ، ليتزايد الناس فيه إلى أن وصلوا إلى دوار صحار فيقفون فيه لتتحول المظاهرة إلى اعتصام في الدوار ، وهكذا أخذ الناس يزدادون من مختلف أماكن منطقة الباطنة ، ليرفعوا شعارات ولافتات بمطالبهم وأن هذا الاعتصام اعتصام سلمي ، فيبقى بعضهم معتصما في الدوار ، علما أن حركة السير حول الدوار كانت طبيعية والشباب فقط معتصمون بداخله لسعته الكبيرة ، ليفاجأ الشباب بحلول فجر يوم 27 فبراير بهجوم من قوى الشرطة والأمن ليقبضوا على بعضهم فيتعرضون للضرب وأخذ بعضهم إلى سجن سمائل ، وليسيطر الشرطة على الدوار ، وهكذا استمرت المناوشات بين الأهالي الذين أخذوا يتزايدون من مختلف الأماكن والولايات وبين الشرطة وقوى الأمن ، وذلك بين كر وفر لتصل الحالة في هذا اليوم إلى حالة من التدهور في الوضع .
وقد ذكر الحضور في البيت أن هناك محاولات بذلت من مختلف الأطراف لتهدئة الوضع ، منها حضور بعض الولاة وبعض القيادات العسكرية إلى المعتصمين في الدوار ، ثم بعض أعضاء الشورى ، وبعض الشيوخ ، إلا أن كل هذه المحاولات لم تفلح في ثني الشباب المعتصمين عن فض اعتصامهم .
وذكر الحضور أن هناك حاليا تدهور في الوضع بسبب الصدام الحاصل بين الشرطة والمعتصمين ومجاميع الناس المتظاهرين ، وأن هناك قتلى وجرحى لا يعرف عددهم بالإضافة إلى الحرائق الحاصلة في بعض المؤسسات . وأثناء النقاش تم الاتفاق على الذهاب إلى قيادة الشرطة ؛ لأنه لا يمكن التفاهم مع الأعداد الغفيرة المنتشرة في الشوارع ، إلى جانب أن هذه الأعداد ليس لها من يسيرها أو يمثلها ، وإنما هي مظاهرات واعتصامات عفوية ، إذن لابد من أخذ ضمانات من قيادة الشرطة بعدم التحرش بالمتظاهرين أو القيام بضربهم حتى لا يتأجج الوضع أكثر فأكثر طالما أن هناك حوادث قتل وجرح وحرق للمنشآت ، وأن هذه المنطقة هي منطقة السوق ، وبها العديد من المؤسسات الحكومية والخاصة بالإضافة إلى المساكن .
وهكذا تم الاتفاق على الذهاب لقيادة الشرطة ، ومن خلال الاتصال ببعض الأفراد في الشرطة لم نحصل على استجابة لمقابلتنا ، وكان الرد على أن القيادة مشغولة حاليا ولا تستطيع مقابلتنا ، فتم الاتفاق على الذهاب إلى قيادة الأمن في كشمير ، وهكذا من خلال الاتصال ببعض أفراد الأمن كان الرد مماثلا بأن قيادة الأمن مشغولة حاليا ولا يمكن مقابلة القيادة . عندها تم الاتفاق بين الزملاء على ترك الموضوع لعدم القدرة على القيام بشئ فيه . وبينما نحن راجعون تم الاتصال بنا من قبل أفراد الأمن على أن هناك ممثلين لجلالة السلطان قادمون وسيصلون قريبا لذا يمكن مقابلتهم ، فقال الزملاء إذن لنقابل الممثلين حينئذ ، ليأتي اتصال آخر من الأمن يطلب منا الذهاب إلى المتظاهرين لإحضار ممثلين منهم لتقديم مطالبهم إلى الممثلين والتحاور معهم . عندئذ قبل الزملاء هذا الطلب طالما أن هناك ممثلين لجلالة السلطان يمكن اللقاء بهم وعلينا إذن أن نحاول اللقاء بمجاميع المتظاهرين وإن كان اللقاء بهم صعبا جدا بسبب انتشارهم في مختلف الأماكن والشوارع لأنهم قدموا من مختلف الأماكن والولايات بمنطقة الباطنة ، إلا أن بعض الزملاء اقترحوا الذهاب إلى الدوار بسبب الكثافة العالية هناك ، وعندما وصلنا إلى الدوار وجدنا مجاميع غفيرة من الناس قد تجمعت في ساحات الدوار وفي مختلف الأماكن والشوارع المحيطة به ، فحاولنا الاقتراب شيئا فشيئا وكلما مررنا على مجاميع الشباب أخذوا يصرخون علينا من أنتم ؟ هل أنتم حكوميون ؟ هل أنتم موظفون ؟ هل أنتم مدفوعون من الحكومة ؟ ونحن نحاول أن نوضح لهم أننا جئنا للتفاهم معهم ، وأن هناك ممثلين من جلالة السلطان قادمون من مسقط للتفاهم معهم ، وبهذه الطريقة استطعنا أن نصل إلى عمق الدوار أسفل الكرة الأرضية ، وكانت الساعة آنذاك قد شارفت عند التاسعة مساء ، وعند وصولنا التقينا بالشيخ عمار المانعي وأخوته الذين بدورهم يحاولون تهدئة الموقف ، وبعد محاولات مضنية وحثيثة استغرقت قريبا من الساعة الحادية عشرة ليلا استطعنا تجميع مجموعة من المطالب ، منها كتابة ومنها كانت في أوراق عديدة وقصاصات مختلفة ، الأمر الذى تطلب صياغتها وتنسيقها ، فوجدنا رأي الحشود أنه لابد من الجلوس لكتابتها معا مجموعة مع بعضها البعض وذلك للتأكد من وصول المطالب جميعها لجلالته ، فاقترح علينا سالم الربيعي بأن نذهب إلى مركز اللغات والكمبيوتر التابع له وهو قريب من الدوار ، فتم اختيار من لديه استعداد من الشباب للذهاب إلى المركز ، وقد رفض بعض الشباب بداية الذهاب معنا وتمثيل مجاميع الشباب المعتصمين والمتظاهرين بحجة مخاوفهم من الاعتقال ، وقد كشف البعض عن جسده مبينا آثار الضرب الذي تعرض له من قبل الشرطة ، والبعض الآخر أبدى آثار ضربات الرصاص فيه ، وبين آخرون أن هناك قتلى من بين المتظاهرين ، عرف بعد ذلك أنه كان قتيلا واحدا هو عبدالله الغملاسي رحمه الله وجعله من الشهداء الأبرار ، وأن هناك مجموعة من المجروحين بالرصاص أخذوا إلى المستشفى . هذا وقد صدر أمر من جلالة السلطان بعدم التعرض للمتظاهرين والمعتصمين ، الأمر الذي جعلهم يطمئنون من عدم مهاجمة الشرطة لهم واستمرار بقائهم في الدوار ، وبعث في نفوسهم الاطمئنان بهذه المبادرة الطيبة التي شجعت على إبداء بعض الشباب استعداده للذهاب لمقابلة الممثلين . وبعد الجلوس في المركز تم كتابة الطلبات العديدة والمختلفة ، والتي تباينت بين البسيطة والعالية (المعيشية والاجتماعية والسياسية) بسبب اختلاف الفئات الشعبية التي طالبت بها والتي وصلت إلى 38 مطلبا تم أخذها إلى قيادة الشرطة - وذلك عند الساعة الثانية عشرة ليلا - التي كان بها ممثل جلالة السلطان ومعه رئيس مجلس الشورى وبعض أعضاء الشورى ومجموعة من قيادات الجيش والشرطة والأمن ، وبعد الجلوس تم قراءة الطلبات من قبل أحد الشباب والتحاور مع الممثل بندا بندا إلى نهايتها ، وتم إضافة بندين أخيرين لها وهما : نشر هذه الطلبات في الإعلام بصورة علنية ، وعدم تعقب المتظاهرين ، لتصبح الطلبات 40 مطلبا ، ليتم رفعها إلى جلالة السلطان من قبل الممثل لجلالته ، ولم يطرح الممثل الاعتراض على وجود الشباب في الدوار ، لتنتهي المقابلة عند الساعة الثالثة صباحا ، حينها تم الانصراف ، ورجعت مع زملائي إلى منازلنا .
الجزء الثاني : اعتصام الشباب في دوار صحار :
وفي اليوم التالي وهو الاثنين 28 فبراير 2011 م حضرت إلى دوار صحار بعد العصر لأجد أفواجا غفيرة من الناس قد تجمعت في الدوار ويقوم بعضهم بالحديث في الميكروفون ، وعند وصولي سألني البعض منهم عن المطالب ، وماذا تم حيالها مع ممثل جلالة السلطان ، فقلت هذه المطالب التي تم إيصالها لأنني قد احتفظت بنسخة 38 مطلبا التي تم تصوير نسخ منها وتوزيعها قبل ذلك ، فقيل لي قم بقراءتها أمام الناس ، وهكذا قمت بقراءتها ، ثم عدت إلى بيتي .
وبعد يومين أو ثلاثة - لا أدري – عدت إلى الدوار لأجد الشباب يعتصمون في الجهة الشمالية منه فقط ، وقد عملوا مسرحا يصعد إليه كل من يريد أن يتكلم في مطالبه وموضوعاته ، فقمت وتكلمت عن مجلس الشورى وتوسعة صلاحياته كمطلب مهم من مطالب الشباب خاصة وأننا في هذه الأيام يتم الإعداد لترشيح أعضاء للشورى ، وقد استغرقت الكلمة قريبا من العشر دقائق فقط ، بينت فيها أيضا ضرورة ابتعاد المعتصمين عن كل عمل يضر بمصالح الناس أو المؤسسات أو التخريب .
بعدها كنت أحضر إلى الاعتصام مستمعا فقط وكان حضوري بين فترة وأخرى حضورا متقطعا مرة بعد يوم ومرة بعد يومين أو أكثر ، وكان حضوري في فترة ما بعد العشاء إلى الساعة الحادية عشرة وقلما إلى الثانية عشرة ليلا ، وهي فترة ذروة حضور آلاف من أهالي صحار والباطنة ، ومختلف مناطق عمان .
ويجدر التنبيه إلى أن الاعتصام ليس له دخل في أعمال التخريب أو الإضرار بمصالح الناس أو بإيقاف السير والحركة ، لأن المعتصمين يجلسون فقط في الجهة الشمالية من الدوار وبقية الجهات فارغة لسعة الدوار الذي يأتي إليه آلاف الناس في الاعتصام وغيره حتى السواح والمصورون والإعلاميون والفنانون الذين ليس لهم دخل في فتح الدوار أو إغلاقه ، فلا يمكن إلقاء تبعة عرقلة السير عليهم .
إنه عندما دار بين الأهالي الحديث عن فتح الدوار وإغلاقه ، وأن الاعتصام له دور في ذلك قمت كغيري ممن حاول مع بعض المتنفذين في الاعتصام (الذين أظهروا أنفسهم كمتنفذين بعد ظهور الاعتصام) ، أن يطلب منهم فتح الدوار أو فك الاعتصام خاصة بعد الإعلان عن العديد من المراسيم إلا أنه قيل إن مطالب القطاع الخاص لم تتحقق ، وأن مجاميع العاطلين عن العمل لم يوظفوا ، فاقترحت عليهم طالما أن هناك لغطا يدور حول الاعتصام في الدوار ؛ لماذا لا يتم نقله إذن إلى مكان آخر ؟ فتم الرد من بعض المعتصمين أن الاعتصام ليس له دخل في إغلاق الدوار ، وأنه يفتح والاعتصام مستمر ولا توجد أي عرقلة للسير والحركة ، خاصة أن الاعتصام في جهة واحدة منه فقط .
وبعد أيام تم طلبي إلى قيادة الجيش في صحار ليتم الجلوس مع العميدين : صالح النعيمي وحمد البلوشي ، ليتم الحديث عن الاعتصام وإغلاق الدوار ، وقد طلبا مني فك الاعتصام وفتح الدوار ، فبينت لهما إنه ليس لي علاقة بذلك ولا قدرة لي بفك الاعتصام أو فتح الدوار ولست مسؤولا عنه ، وقد دار الحديث حول المطالب والاعتصامات الدائرة في السلطنة ، وطلبا مني القيام بدور فك الاعتصامات في صحار ومسقط وصور وصلالة ، فقلت لهما لا أستطيع ذلك لكن بحسن نية سأحاول ما استطعت إلى ذلك ، وإنه لابد من معرفة مطالب الاعتصامات ، وماذا بقي منها ولم يتحقق ؟ وإنه لابد من اختيار ممثلين من الاعتصامات والتحاور معهم ، لكنه لعدم معرفتي بمختلف المتنفذين في الاعتصامات خاصة وأن الاعتصامات اتجاهات ومسالك حضورها مختلف لم أستطع القيام بدور في ذلك .
الجزء الثالث : قصة الاعتقال :
وفي يوم الثلاثاء 29 مارس 2011م وفي الساعة الثالثة ليلا تم ضرب جرس منزلي الواقع في منطقة الهمبار بشدة لأستيقظ عليه مفجوعا ، وكنت لابسا فانيلة وإزارا ، وبمجرد أن فتحت باب الصالة فوجئت بمجموعة ملثمة بالسواد ، ولم تتح لي الفرصة بالتعرف عليهم أو الحديث معهم ، فطرحوني أرضا ، دونما مقاومة مني ، ومع ذلك أخذوا ينهالون علي بالضرب و الصفع و الركل والبروك على فخذي ونزع إزاري لأبقى عاريا ، ثم إدارتي بشدة على بطني أحسست فيها بألم في ظهري ، ليتم تقييدي بوضع يدي للخلف بقيد بلاستيكي ووضع غطاء أسود على رأسي ثم سحبي بالركل إلى سياراتهم وإلقائي بشدة في السيارة لتضرب ركبتي اليمنى بشئ في السيارة كدت أن أموت من شدة الألم ، وفي السيارة تم البروك على ظهري ، وأخذوني إلى مكان لا أعرفه كأنه في صحراء ، وحين إنزالي لم أستطع المشي ، وكأنني أصبت بالشلل نتيجة البروك على ظهري ، وعندما سحبت إلى هذا المكان لم أستطع الوقوف فسقطت على الأرض طريحا وعاريا ومقيدا وراء ظهري ، وسمعت في هذه الأثناء أصواتا وأنينا من بعض المعتقلين الذين تم تجميعهم في هذا المكان ، وصوت مروحيات طائرة ، لكنني لم أرها بسبب الغطاء الخانق على رأسي ، ثم سحبت إلى الطائرة ، حينها تم تغطيتي بالإزار ، وقيدت مع المعتقلين برجلي أيضا في الطائرة والآلام الحادة في ظهري تكاد تميتني من شدتها ، ليتم إنزالي مع المعتقلين من الطائرة ووضعنا في حافلات استقلتنا إلى سجن سمائل ، وحين الوصول في السجن تم فك القيود عنا وإزالة الأغطية من على رؤوسنا وذلك حين إنزالنا من الحافلات ، وفي هذه الأثناء وجدت فانيلتي ممزقة من أثر الضرب لكنني لم أستطع الحركة بسبب آلام الظهر ، ليتم سحبي ووضعي أسفل الحافلة ملقيا على الأرض ، ريثما يتم توزيع المعتقلين على عنابر (حجرات) السجن ، بعدها أخذت إلى عنبر منها لأوضع مع مجموعة من المعتقلين ما يقارب من اليومين ، ليقوم المعتقلون بخدمتي والحمد لله فجزاهم الله خير الجزاء على حملي إلى الحمام لأنني أحتاج إليه بكثرة بسبب ما أعانيه من مرض السكر وضغط الدم بالإضافة إلى ما أعانيه من مرض البروستاتا . وفي هذه الحالة طلبت طبيبا من شدة الألم ، فأخذت إليه ليصرف لي دواء الضغط والسكر ومسكنات للظهر ، وطلبت منه كتابة تقرير بحالتي خاصة وآثار الجروح والضرب بادية على جسمي ، فلم يرض بذلك . علما أن أسرتي قامت بمحاولات عدة لإيصال الأدوية التي أتناولها ؛ لعدم تقبل جسمي لمختلف الأدوية التي تسبب لي مضاعفات جانبية ، وبعد إصرارهم تم إحضار أدويتي لي . وفي مدة بقائي هذا تم التحقيق معي مرتان .
وبعد يومين أخذت مرة أخرى من سجن سمائل بعد تقييدي من الخلف ووضع الغطاء الأسود على جسمي من الرأس إلى أسفل الظهر وأخذت في سيارة مغلقة ، فيها صوت الموسيقى والغناء واستمرت في السير مدة طويلة كأنها إلى مسقط ، وبقيت ما يقرب من تسعة أيام أو أكثر – لا أدري المدة بالضبط – في حجرة صغيرة مغلقة بها إضاءة مستمرة وسماعات غناء وموسيقى وتلاوة قرآن ، ولأنني مريض بالسكر والضغط والبروستاتا أحتاج إلى دورة المياه بصورة مستمرة لكن الحالة صعبة لأنه للذهاب إلى دورة المياه لابد من التقييد للخلف ووضع الغطاء على الرأس ، وبروتوكول انضباطي معين فيه شيء من الصعوبة ، فعانيت كثيرا من هذه الحالة خاصة وأن آلام الظهر كانت شديدة علي ، وفي هذه الأثناء يتم التحقيق معي كثيرا عدة مرات في اليوم الواحد .
لقد وجهت إلي مجموعة من التهم ، الحمدلله أجد نفسي بريئا منها جملة وتفصيلا ، وليس لي دخل فيها بل وأرفضها رفضا باتا ، وهذه التهم لا أتذكرها كلها لكن أتذكر منها : المشاركة في حرق مزارع في صحار ، وإخراج الموظفين من مؤسساتهم ، والاعتداء على بعض الموظفين ، والإضرار بمصالح الناس ، والتحريض عليها ، وقطع الطرق ، وغيرها من التهم التي ما أنزل الله بها من سلطان . وفي التحقيق فندتها جميعا ، وبينت بالأدلة على برائتي منها ، وعدم مشاركتي فيها ، بل ورفضي لها ، بل عندي أدلة واضحة من خلال بعض الأشخاص الذين يحضرون الاعتصام على رفضي لها وبرائتي منها ، بل لا توجد أدلة لا من قريب ولا من بعيد تبين وجودي فيها أو مشاركتي فيها ، وإذا كانت توجد مثل هذه الأدلة لابد من إحضارها وبيانها ، فلا يجوز أن أتهم بها ، ولا يمكن أن تلصق مثل هذه التهم على الأبرياء بمجرد حضورهم إلى ساحة الاعتصام . والحمدلله رب العالمين
منقول
في يوم الأحد 27 فبراير 2011م الساعة الرابعة عصرا عندما وصلت إلى بيتي الواقع في منطقة الهمبار في ولاية صحار قريبا من السوق وبعض الدوائر الحكومية والمؤسسات العامة والخاصة ، وقد كنت قادما من كلية العلوم التطبيقية بصحار التي أعمل فيها محاضرا ، رأيت الناس وقد غطوا الشوارع وبعض الدخان يتصاعد من دائرة القوى العاملة القريبة من بيتي ، وتناقل الناس أخبارا عن سقوط قتلى وجرحى ، فصعدت سطح بناية بيتي وإذا فعلا بأعداد غفيرة من الناس يملؤون الشوارع ، وهناك دخان يتصاعد في بعض الأماكن من منطقة الهمبار ، في هذه الأثناء أتاني اتصال من زميل لي هو د. علي بن عيسى المعمري ليقول لي ماذا يحصل في صحار ؟ فقلت له أنا الآن أرى دخانا يتصاعد من بعض الأماكن في منطقة الهمبار بولاية صحار ، فقال لي أن الوضع غير طبيعي ، أريد أن أحضر عندك لتدارس الوضع الحاصل ، فقلت له أهلا وسهلا ، وفكرت أن أتصل ببعض المعارف وبعض الوجاهات الشبابية في صحار ، وفعلا اتصلت بالزملاء : خالد بن عبدالمحسن الشيزاوي ، والشيخ عبدالله بن سيف الشبلي ، وعلي الحامدي أحد الوجهاء الشباب في منطقة غيل الشبول الذى بدوره أحضر معه أخاه ناصرا ، وعندما حضر د. علي عيسى أحضر معه الشيخ سالم بن علي الجابري أحد شيوخ منطقة فلج القبائل ، وكان ذلك قريبا من صلاة المغرب ، وبعد صلاة المغرب في الجامع القريب من بيتي جلسنا في البيت لتدارس الوضع الحاصل وكان عددنا سبعة أشخاص ، وقد ذكر في اللقاء بعض الأخبار والأسباب التي أدت إلى هذا الوضع المتدهور ، وأن شرارة الوضع بدأت من يوم الأربعاء 24 فبراير 2011م عندما كان بعض الشباب العاطلين عن العمل يراجعون دائرة القوى العاملة للبحث عن عمل ، وكانوا يترددون بين مكاتب الولاة وهذه الدائرة ، ومن كثرة مراجعتهم تعرفوا على بعضهم البعض ، وقد طلبوا من الموظف بدائرة القوى العاملة أن يبحث لهم عن عمل لأنهم سئموا من التردد على هذه الدائرة ، وأنهم سيراجعون الدائرة يوم السبت القادم ، ففي يوم السبت 26 فبراير 2011م عند حضورهم للدائرة وإذا بهم يفاجأون بحضور الشرطة في دائرة القوى العاملة لتثور ثائرتهم فيتصادمون معهم ، ليدخل مع الشباب مجاميع المراجعين بهذه الدائرة الذين كانوا متذمرين أصلا من طبيعة العمل بها ، لأنهم يأتون إليها من وقت الفجر أي من الساعة الخامسة صباحا ليحصلوا على أرقام المراجعة لأنها تنتهي بحلول الساعة التاسعة إلى العاشرة ضحى ، وهكذا لينتهي تقديم الطلبات والمراجعات عند الساعة الثانية عشر ظهرا . هذه الحالة المتذمرة من طبيعة الإجراءات ، والتذمر الكامن في نفوس المراجعين أدخلهم في هذا التصادم مع قوى الشرطة لينتقل التصادم إلى خارج الدائرة فيتحول إلى مظاهرة في الشارع ، ليتزايد الناس فيه إلى أن وصلوا إلى دوار صحار فيقفون فيه لتتحول المظاهرة إلى اعتصام في الدوار ، وهكذا أخذ الناس يزدادون من مختلف أماكن منطقة الباطنة ، ليرفعوا شعارات ولافتات بمطالبهم وأن هذا الاعتصام اعتصام سلمي ، فيبقى بعضهم معتصما في الدوار ، علما أن حركة السير حول الدوار كانت طبيعية والشباب فقط معتصمون بداخله لسعته الكبيرة ، ليفاجأ الشباب بحلول فجر يوم 27 فبراير بهجوم من قوى الشرطة والأمن ليقبضوا على بعضهم فيتعرضون للضرب وأخذ بعضهم إلى سجن سمائل ، وليسيطر الشرطة على الدوار ، وهكذا استمرت المناوشات بين الأهالي الذين أخذوا يتزايدون من مختلف الأماكن والولايات وبين الشرطة وقوى الأمن ، وذلك بين كر وفر لتصل الحالة في هذا اليوم إلى حالة من التدهور في الوضع .
وقد ذكر الحضور في البيت أن هناك محاولات بذلت من مختلف الأطراف لتهدئة الوضع ، منها حضور بعض الولاة وبعض القيادات العسكرية إلى المعتصمين في الدوار ، ثم بعض أعضاء الشورى ، وبعض الشيوخ ، إلا أن كل هذه المحاولات لم تفلح في ثني الشباب المعتصمين عن فض اعتصامهم .
وذكر الحضور أن هناك حاليا تدهور في الوضع بسبب الصدام الحاصل بين الشرطة والمعتصمين ومجاميع الناس المتظاهرين ، وأن هناك قتلى وجرحى لا يعرف عددهم بالإضافة إلى الحرائق الحاصلة في بعض المؤسسات . وأثناء النقاش تم الاتفاق على الذهاب إلى قيادة الشرطة ؛ لأنه لا يمكن التفاهم مع الأعداد الغفيرة المنتشرة في الشوارع ، إلى جانب أن هذه الأعداد ليس لها من يسيرها أو يمثلها ، وإنما هي مظاهرات واعتصامات عفوية ، إذن لابد من أخذ ضمانات من قيادة الشرطة بعدم التحرش بالمتظاهرين أو القيام بضربهم حتى لا يتأجج الوضع أكثر فأكثر طالما أن هناك حوادث قتل وجرح وحرق للمنشآت ، وأن هذه المنطقة هي منطقة السوق ، وبها العديد من المؤسسات الحكومية والخاصة بالإضافة إلى المساكن .
وهكذا تم الاتفاق على الذهاب لقيادة الشرطة ، ومن خلال الاتصال ببعض الأفراد في الشرطة لم نحصل على استجابة لمقابلتنا ، وكان الرد على أن القيادة مشغولة حاليا ولا تستطيع مقابلتنا ، فتم الاتفاق على الذهاب إلى قيادة الأمن في كشمير ، وهكذا من خلال الاتصال ببعض أفراد الأمن كان الرد مماثلا بأن قيادة الأمن مشغولة حاليا ولا يمكن مقابلة القيادة . عندها تم الاتفاق بين الزملاء على ترك الموضوع لعدم القدرة على القيام بشئ فيه . وبينما نحن راجعون تم الاتصال بنا من قبل أفراد الأمن على أن هناك ممثلين لجلالة السلطان قادمون وسيصلون قريبا لذا يمكن مقابلتهم ، فقال الزملاء إذن لنقابل الممثلين حينئذ ، ليأتي اتصال آخر من الأمن يطلب منا الذهاب إلى المتظاهرين لإحضار ممثلين منهم لتقديم مطالبهم إلى الممثلين والتحاور معهم . عندئذ قبل الزملاء هذا الطلب طالما أن هناك ممثلين لجلالة السلطان يمكن اللقاء بهم وعلينا إذن أن نحاول اللقاء بمجاميع المتظاهرين وإن كان اللقاء بهم صعبا جدا بسبب انتشارهم في مختلف الأماكن والشوارع لأنهم قدموا من مختلف الأماكن والولايات بمنطقة الباطنة ، إلا أن بعض الزملاء اقترحوا الذهاب إلى الدوار بسبب الكثافة العالية هناك ، وعندما وصلنا إلى الدوار وجدنا مجاميع غفيرة من الناس قد تجمعت في ساحات الدوار وفي مختلف الأماكن والشوارع المحيطة به ، فحاولنا الاقتراب شيئا فشيئا وكلما مررنا على مجاميع الشباب أخذوا يصرخون علينا من أنتم ؟ هل أنتم حكوميون ؟ هل أنتم موظفون ؟ هل أنتم مدفوعون من الحكومة ؟ ونحن نحاول أن نوضح لهم أننا جئنا للتفاهم معهم ، وأن هناك ممثلين من جلالة السلطان قادمون من مسقط للتفاهم معهم ، وبهذه الطريقة استطعنا أن نصل إلى عمق الدوار أسفل الكرة الأرضية ، وكانت الساعة آنذاك قد شارفت عند التاسعة مساء ، وعند وصولنا التقينا بالشيخ عمار المانعي وأخوته الذين بدورهم يحاولون تهدئة الموقف ، وبعد محاولات مضنية وحثيثة استغرقت قريبا من الساعة الحادية عشرة ليلا استطعنا تجميع مجموعة من المطالب ، منها كتابة ومنها كانت في أوراق عديدة وقصاصات مختلفة ، الأمر الذى تطلب صياغتها وتنسيقها ، فوجدنا رأي الحشود أنه لابد من الجلوس لكتابتها معا مجموعة مع بعضها البعض وذلك للتأكد من وصول المطالب جميعها لجلالته ، فاقترح علينا سالم الربيعي بأن نذهب إلى مركز اللغات والكمبيوتر التابع له وهو قريب من الدوار ، فتم اختيار من لديه استعداد من الشباب للذهاب إلى المركز ، وقد رفض بعض الشباب بداية الذهاب معنا وتمثيل مجاميع الشباب المعتصمين والمتظاهرين بحجة مخاوفهم من الاعتقال ، وقد كشف البعض عن جسده مبينا آثار الضرب الذي تعرض له من قبل الشرطة ، والبعض الآخر أبدى آثار ضربات الرصاص فيه ، وبين آخرون أن هناك قتلى من بين المتظاهرين ، عرف بعد ذلك أنه كان قتيلا واحدا هو عبدالله الغملاسي رحمه الله وجعله من الشهداء الأبرار ، وأن هناك مجموعة من المجروحين بالرصاص أخذوا إلى المستشفى . هذا وقد صدر أمر من جلالة السلطان بعدم التعرض للمتظاهرين والمعتصمين ، الأمر الذي جعلهم يطمئنون من عدم مهاجمة الشرطة لهم واستمرار بقائهم في الدوار ، وبعث في نفوسهم الاطمئنان بهذه المبادرة الطيبة التي شجعت على إبداء بعض الشباب استعداده للذهاب لمقابلة الممثلين . وبعد الجلوس في المركز تم كتابة الطلبات العديدة والمختلفة ، والتي تباينت بين البسيطة والعالية (المعيشية والاجتماعية والسياسية) بسبب اختلاف الفئات الشعبية التي طالبت بها والتي وصلت إلى 38 مطلبا تم أخذها إلى قيادة الشرطة - وذلك عند الساعة الثانية عشرة ليلا - التي كان بها ممثل جلالة السلطان ومعه رئيس مجلس الشورى وبعض أعضاء الشورى ومجموعة من قيادات الجيش والشرطة والأمن ، وبعد الجلوس تم قراءة الطلبات من قبل أحد الشباب والتحاور مع الممثل بندا بندا إلى نهايتها ، وتم إضافة بندين أخيرين لها وهما : نشر هذه الطلبات في الإعلام بصورة علنية ، وعدم تعقب المتظاهرين ، لتصبح الطلبات 40 مطلبا ، ليتم رفعها إلى جلالة السلطان من قبل الممثل لجلالته ، ولم يطرح الممثل الاعتراض على وجود الشباب في الدوار ، لتنتهي المقابلة عند الساعة الثالثة صباحا ، حينها تم الانصراف ، ورجعت مع زملائي إلى منازلنا .
الجزء الثاني : اعتصام الشباب في دوار صحار :
وفي اليوم التالي وهو الاثنين 28 فبراير 2011 م حضرت إلى دوار صحار بعد العصر لأجد أفواجا غفيرة من الناس قد تجمعت في الدوار ويقوم بعضهم بالحديث في الميكروفون ، وعند وصولي سألني البعض منهم عن المطالب ، وماذا تم حيالها مع ممثل جلالة السلطان ، فقلت هذه المطالب التي تم إيصالها لأنني قد احتفظت بنسخة 38 مطلبا التي تم تصوير نسخ منها وتوزيعها قبل ذلك ، فقيل لي قم بقراءتها أمام الناس ، وهكذا قمت بقراءتها ، ثم عدت إلى بيتي .
وبعد يومين أو ثلاثة - لا أدري – عدت إلى الدوار لأجد الشباب يعتصمون في الجهة الشمالية منه فقط ، وقد عملوا مسرحا يصعد إليه كل من يريد أن يتكلم في مطالبه وموضوعاته ، فقمت وتكلمت عن مجلس الشورى وتوسعة صلاحياته كمطلب مهم من مطالب الشباب خاصة وأننا في هذه الأيام يتم الإعداد لترشيح أعضاء للشورى ، وقد استغرقت الكلمة قريبا من العشر دقائق فقط ، بينت فيها أيضا ضرورة ابتعاد المعتصمين عن كل عمل يضر بمصالح الناس أو المؤسسات أو التخريب .
بعدها كنت أحضر إلى الاعتصام مستمعا فقط وكان حضوري بين فترة وأخرى حضورا متقطعا مرة بعد يوم ومرة بعد يومين أو أكثر ، وكان حضوري في فترة ما بعد العشاء إلى الساعة الحادية عشرة وقلما إلى الثانية عشرة ليلا ، وهي فترة ذروة حضور آلاف من أهالي صحار والباطنة ، ومختلف مناطق عمان .
ويجدر التنبيه إلى أن الاعتصام ليس له دخل في أعمال التخريب أو الإضرار بمصالح الناس أو بإيقاف السير والحركة ، لأن المعتصمين يجلسون فقط في الجهة الشمالية من الدوار وبقية الجهات فارغة لسعة الدوار الذي يأتي إليه آلاف الناس في الاعتصام وغيره حتى السواح والمصورون والإعلاميون والفنانون الذين ليس لهم دخل في فتح الدوار أو إغلاقه ، فلا يمكن إلقاء تبعة عرقلة السير عليهم .
إنه عندما دار بين الأهالي الحديث عن فتح الدوار وإغلاقه ، وأن الاعتصام له دور في ذلك قمت كغيري ممن حاول مع بعض المتنفذين في الاعتصام (الذين أظهروا أنفسهم كمتنفذين بعد ظهور الاعتصام) ، أن يطلب منهم فتح الدوار أو فك الاعتصام خاصة بعد الإعلان عن العديد من المراسيم إلا أنه قيل إن مطالب القطاع الخاص لم تتحقق ، وأن مجاميع العاطلين عن العمل لم يوظفوا ، فاقترحت عليهم طالما أن هناك لغطا يدور حول الاعتصام في الدوار ؛ لماذا لا يتم نقله إذن إلى مكان آخر ؟ فتم الرد من بعض المعتصمين أن الاعتصام ليس له دخل في إغلاق الدوار ، وأنه يفتح والاعتصام مستمر ولا توجد أي عرقلة للسير والحركة ، خاصة أن الاعتصام في جهة واحدة منه فقط .
وبعد أيام تم طلبي إلى قيادة الجيش في صحار ليتم الجلوس مع العميدين : صالح النعيمي وحمد البلوشي ، ليتم الحديث عن الاعتصام وإغلاق الدوار ، وقد طلبا مني فك الاعتصام وفتح الدوار ، فبينت لهما إنه ليس لي علاقة بذلك ولا قدرة لي بفك الاعتصام أو فتح الدوار ولست مسؤولا عنه ، وقد دار الحديث حول المطالب والاعتصامات الدائرة في السلطنة ، وطلبا مني القيام بدور فك الاعتصامات في صحار ومسقط وصور وصلالة ، فقلت لهما لا أستطيع ذلك لكن بحسن نية سأحاول ما استطعت إلى ذلك ، وإنه لابد من معرفة مطالب الاعتصامات ، وماذا بقي منها ولم يتحقق ؟ وإنه لابد من اختيار ممثلين من الاعتصامات والتحاور معهم ، لكنه لعدم معرفتي بمختلف المتنفذين في الاعتصامات خاصة وأن الاعتصامات اتجاهات ومسالك حضورها مختلف لم أستطع القيام بدور في ذلك .
الجزء الثالث : قصة الاعتقال :
وفي يوم الثلاثاء 29 مارس 2011م وفي الساعة الثالثة ليلا تم ضرب جرس منزلي الواقع في منطقة الهمبار بشدة لأستيقظ عليه مفجوعا ، وكنت لابسا فانيلة وإزارا ، وبمجرد أن فتحت باب الصالة فوجئت بمجموعة ملثمة بالسواد ، ولم تتح لي الفرصة بالتعرف عليهم أو الحديث معهم ، فطرحوني أرضا ، دونما مقاومة مني ، ومع ذلك أخذوا ينهالون علي بالضرب و الصفع و الركل والبروك على فخذي ونزع إزاري لأبقى عاريا ، ثم إدارتي بشدة على بطني أحسست فيها بألم في ظهري ، ليتم تقييدي بوضع يدي للخلف بقيد بلاستيكي ووضع غطاء أسود على رأسي ثم سحبي بالركل إلى سياراتهم وإلقائي بشدة في السيارة لتضرب ركبتي اليمنى بشئ في السيارة كدت أن أموت من شدة الألم ، وفي السيارة تم البروك على ظهري ، وأخذوني إلى مكان لا أعرفه كأنه في صحراء ، وحين إنزالي لم أستطع المشي ، وكأنني أصبت بالشلل نتيجة البروك على ظهري ، وعندما سحبت إلى هذا المكان لم أستطع الوقوف فسقطت على الأرض طريحا وعاريا ومقيدا وراء ظهري ، وسمعت في هذه الأثناء أصواتا وأنينا من بعض المعتقلين الذين تم تجميعهم في هذا المكان ، وصوت مروحيات طائرة ، لكنني لم أرها بسبب الغطاء الخانق على رأسي ، ثم سحبت إلى الطائرة ، حينها تم تغطيتي بالإزار ، وقيدت مع المعتقلين برجلي أيضا في الطائرة والآلام الحادة في ظهري تكاد تميتني من شدتها ، ليتم إنزالي مع المعتقلين من الطائرة ووضعنا في حافلات استقلتنا إلى سجن سمائل ، وحين الوصول في السجن تم فك القيود عنا وإزالة الأغطية من على رؤوسنا وذلك حين إنزالنا من الحافلات ، وفي هذه الأثناء وجدت فانيلتي ممزقة من أثر الضرب لكنني لم أستطع الحركة بسبب آلام الظهر ، ليتم سحبي ووضعي أسفل الحافلة ملقيا على الأرض ، ريثما يتم توزيع المعتقلين على عنابر (حجرات) السجن ، بعدها أخذت إلى عنبر منها لأوضع مع مجموعة من المعتقلين ما يقارب من اليومين ، ليقوم المعتقلون بخدمتي والحمد لله فجزاهم الله خير الجزاء على حملي إلى الحمام لأنني أحتاج إليه بكثرة بسبب ما أعانيه من مرض السكر وضغط الدم بالإضافة إلى ما أعانيه من مرض البروستاتا . وفي هذه الحالة طلبت طبيبا من شدة الألم ، فأخذت إليه ليصرف لي دواء الضغط والسكر ومسكنات للظهر ، وطلبت منه كتابة تقرير بحالتي خاصة وآثار الجروح والضرب بادية على جسمي ، فلم يرض بذلك . علما أن أسرتي قامت بمحاولات عدة لإيصال الأدوية التي أتناولها ؛ لعدم تقبل جسمي لمختلف الأدوية التي تسبب لي مضاعفات جانبية ، وبعد إصرارهم تم إحضار أدويتي لي . وفي مدة بقائي هذا تم التحقيق معي مرتان .
وبعد يومين أخذت مرة أخرى من سجن سمائل بعد تقييدي من الخلف ووضع الغطاء الأسود على جسمي من الرأس إلى أسفل الظهر وأخذت في سيارة مغلقة ، فيها صوت الموسيقى والغناء واستمرت في السير مدة طويلة كأنها إلى مسقط ، وبقيت ما يقرب من تسعة أيام أو أكثر – لا أدري المدة بالضبط – في حجرة صغيرة مغلقة بها إضاءة مستمرة وسماعات غناء وموسيقى وتلاوة قرآن ، ولأنني مريض بالسكر والضغط والبروستاتا أحتاج إلى دورة المياه بصورة مستمرة لكن الحالة صعبة لأنه للذهاب إلى دورة المياه لابد من التقييد للخلف ووضع الغطاء على الرأس ، وبروتوكول انضباطي معين فيه شيء من الصعوبة ، فعانيت كثيرا من هذه الحالة خاصة وأن آلام الظهر كانت شديدة علي ، وفي هذه الأثناء يتم التحقيق معي كثيرا عدة مرات في اليوم الواحد .
لقد وجهت إلي مجموعة من التهم ، الحمدلله أجد نفسي بريئا منها جملة وتفصيلا ، وليس لي دخل فيها بل وأرفضها رفضا باتا ، وهذه التهم لا أتذكرها كلها لكن أتذكر منها : المشاركة في حرق مزارع في صحار ، وإخراج الموظفين من مؤسساتهم ، والاعتداء على بعض الموظفين ، والإضرار بمصالح الناس ، والتحريض عليها ، وقطع الطرق ، وغيرها من التهم التي ما أنزل الله بها من سلطان . وفي التحقيق فندتها جميعا ، وبينت بالأدلة على برائتي منها ، وعدم مشاركتي فيها ، بل ورفضي لها ، بل عندي أدلة واضحة من خلال بعض الأشخاص الذين يحضرون الاعتصام على رفضي لها وبرائتي منها ، بل لا توجد أدلة لا من قريب ولا من بعيد تبين وجودي فيها أو مشاركتي فيها ، وإذا كانت توجد مثل هذه الأدلة لابد من إحضارها وبيانها ، فلا يجوز أن أتهم بها ، ولا يمكن أن تلصق مثل هذه التهم على الأبرياء بمجرد حضورهم إلى ساحة الاعتصام . والحمدلله رب العالمين
منقول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق